الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
1 - التّكبير في اللّغة: التّعظيم، كما في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي فعظّم، وأن يقال: " اللّه أكبر " روي «أنّه لمّا نزل {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اللّه أكبر فكبّرت خديجة وفرحت وأيقنت أنّه الوحي». ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ.
التّسبيح والتّهليل والتّحميد: 2 - الصّلة بين التّكبير وهذه الألفاظ أنّها كلّها مدائح يمدح بها الإله ويعظّم. فمن سبّح اللّه فقد عظّمه ونزّهه عمّا لا يليق به من صفات النّقص وسمات الحدوث، فصار واصفاً له بالعظمة والقدم. وكذا إذا هلّل، لأنّه إذا وصفه بالتّفرّد والألوهيّة فقد وصفه بالعظمة والقدم، لاستحالة ثبوت الإلهيّة دونهما. كما أنّ التّحميد يراد به كثرة الثّناء على اللّه تعالى، لأنّه هو مستحقّ الحمد على الحقيقة. 3 - تكبيرة الإحرام فرض من فروض الصّلاة. وهي قول المصلّي لافتتاح الصّلاة (اللّه أكبر) أو كلّ ذكر يصير به شارعا في الصّلاة. وتنظر أحكامها في مصطلح (تكبيرة الإحرام). أ - تكبيرات الانتقالات: 4- يرى جمهور الفقهاء أنّ تكبيرات الانتقالات سنّة. قال ابن المنذر: بهذا قال أبو بكر الصّدّيق وعمر وجابر وقيس بن عبادة والشّعبيّ والأوزاعيّ وسعيد بن عبد العزيز وأبو حنيفة ومالك والشّافعيّ، ونقله ابن بطّال أيضا عن عثمان وعليّ وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وابن الزّبير ومكحول والنّخعيّ وأبي ثور. ودليل الجمهور حديث المسيء صلاته، فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم علّمه صلاته، فعلّمه واجباتها، فذكر منها تكبيرة الإحرام، ولم يذكر تكبيرات الانتقالات وهذا موضع البيان ووقته ولا يجوز التّأخير عنه. أمّا الأحاديث الّتي تثبت التّكبير في كلّ خفض ورفع فمحمولة على الاستحباب، منها ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصّلاة يكبّر حين يقوم، ثمّ يكبّر حين يركع، ثمّ يقول سمع اللّه لمن حمده حين يرفع صلبه من الرّكوع، ثمّ يقول وهو قائم ربّنا لك الحمد، ثمّ يكبّر حين يهوي ساجداً، ثمّ يكبّر حين يرفع رأسه، ثمّ يكبّر حين يسجد، ثمّ يكبّر حين يرفع رأسه، ثمّ يفعل ذلك في الصّلاة كلّها حتّى يقضيها، ويكبّر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس». والحديث فيه إثبات التّكبير في كلّ خفض ورفع إلا في رفعه من الرّكوع، فإنّه يقول: سمع اللّه لمن حمده. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يكبّر في كلّ خفض ورفع وقيام وقعود، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما». ويرى أحمد بن حنبل في المشهور عنه أنّ تكبير الخفض والرّفع واجب، وهو قول إسحاق بن راهويه وداود، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر به وأمره للوجوب، وفعله. وقال: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي». وقد روى أبو داود عن عليّ بن يحيى بن خلّاد عن عمّه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «لا تتمّ صلاة لأحد من النّاس حتّى يتوضّأ - إلى قوله - ثمّ يكبّر، ثمّ يركع حتّى تطمئنّ مفاصله، ثمّ يقول سمع اللّه لمن حمده حتّى يستوي قائماً، ثمّ يقول اللّه أكبر، ثمّ يسجد حتّى يطمئنّ ساجدا، ثمّ يقول: اللّه أكبر ويرفع رأسه حتّى يستوي قاعدا، ثمّ يقول اللّه أكبر ثمّ يسجد حتّى تطمئنّ مفاصله، ثمّ يرفع رأسه فيكبّر، فإذا فعل ذلك فقد تمّت صلاته». وهذا نصّ في وجوب التّكبير. ولأنّ مواضع هذه الأذكار أركان الصّلاة فكان فيها ذكر واجب كالقيام. وقال أبو عمر: قد قال قوم من أهل العلم إنّ التّكبير إنّما هو إيذان بحركات الإمام وشعار الصّلاة وليس بسنّة إلا في الجماعة. فأمّا من صلّى وحده فلا بأس أن يكبّر.
5 - الحكمة في مشروعيّة التّكبير في الخفض والرّفع هي أنّ المكلّف أمر بالنّيّة أوّل الصّلاة مقرونة بالتّكبير، وكان من حقّه أن يستصحب النّيّة إلى آخر الصّلاة، فأمر أن يجدّد العهد في أثنائها بالتّكبير الّذي هو شعار النّيّة.
6 - يرى الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة على الجديد وهو الصّحيح - وهو ما يؤخذ من عبارات فقهاء الحنابلة - استحباب التّكبير في كلّ ركن عند الشّروع، ومدّه إلى الرّكن المنتقل إليه حتّى لا يخلو جزء من صلاة المصلّي عن ذكر، فيبدأ بالتّكبير حين يشرع في الانتقال إلى الرّكوع، ويمدّه حتّى يصل حدّ الرّاكعين، ثمّ يشرع في تسبيح الرّكوع، ويبدأ بالتّكبير حين يشرع في الهويّ إلى السّجود ويمدّه حتّى يضع جبهته على الأرض، ثمّ يشرع في تسبيح السّجود، وهكذا يشرع في التّكبير للقيام من التّشهّد الأوّل حين يشرع في الانتقال ويمدّه حتّى ينتصب قائماً. ويستثني المالكيّة من ذلك تكبير المصلّي في قيامه من اثنتين، حيث يقولون إنّه لا يكبّر للقيام من الرّكعتين حتّى يستوي قائما لأنّه كمفتتح صلاة. وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز. وقال الشّافعيّة - على القديم المقابل للصّحيح - بحذف التّكبير وعدم مدّه. وتنظر الأحكام المتعلّقة بترك تكبيرات الانتقالات في (سجود السّهو). ب - التّكبيرات الزّوائد في صلاة العيدين: 7 - قال المالكيّة والحنابلة: إنّ صلاة العيدين فيها ستّ تكبيرات في الأولى وخمس في الثّانية. وروي ذلك عن فقهاء المدينة السّبعة وعمر بن عبد العزيز والزّهريّ والمزنيّ. واستدلّوا بما روي عن ابن عمر أنّه قال: شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبّر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة. وبما روي عن عمرو بن عوف المزنيّ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كبّر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الثّانية خمسا قبل القراءة». ويبدو أنّهم يعدّون تكبيرة الإحرام في السّبع في الرّكعة الأولى، كما يعدّون تكبيرة النّهوض زائدا على الخمس المرويّة في الرّكعة الثّانية بحجّة أنّ العمل بالمدينة كان على هذا. ويرى الحنفيّة وأحمد في رواية أنّ صلاة العيدين فيها ستّ تكبيرات زوائد ثلاث في الأولى وثلاث في الثّانية. وبهذا قال ابن مسعود وأبو موسى الأشعريّ وحذيفة بن اليمان وعقبة بن عامر وابن الزّبير وأبو مسعود البدريّ والحسن البصريّ ومحمّد بن سيرين والثّوريّ وعلماء الكوفة وهو رواية عن ابن عبّاس. فقد روى ابن أبي شيبة في مصنّفه عن مسروق قال: كان عبد اللّه بن مسعود يعلّمنا التّكبير في العيدين تسع تكبيرات، خمس في الأولى وأربع في الآخرة، ويوالي بين القراءتين، في الأولى تكبيرة الافتتاح والتّكبيرات الزّوائد وتكبيرة الرّكوع، والأربعة في الرّكعة الأخيرة، التّكبيرات الثّلاث الزّوائد وتكبيرة الرّكوع. وقال الشّافعيّة: إنّ التّكبيرات الزّوائد سبع في الأولى وخمس في الثّانية واحتجّوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يكبّر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الافتتاح». وبما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يكبّر في الفطر في الأولى سبعا، وفي الثّانية خمسا سوى تكبيرة الصّلاة». وقد ذكر العينيّ تسعة عشر قولا في عدد التّكبيرات الزّوائد، وقال: الاختلاف محمول على أنّ كلّ ذلك فعله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الأحوال المختلفة، لأنّ القياس لمّا لم يدلّ حمل على أنّ كلّ واحد من الصّحابة رضي الله عنهم روى قوله عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكلّ واحد من التّابعين روى قوله عن صحابيّ. هذا وأمّا الأحكام المتعلّقة بمحلّ التّكبيرات الزّوائد والذّكر بينها، ورفع اليدين فيها، ونسيانها، فتنظر في (صلاة العيدين). ج - التّكبير في أوّل خطبتي العيدين: 8 - يستحبّ أن يكبّر الإمام في أوّل الخطبة الأولى لصلاة أحد العيدين تسع تكبيرات، وفي أوّل الثّانية سبعا، وهذه التّكبيرات ليست من الخطبة، وهذا عند جمهور الفقهاء. وقال مالك: السّنّة أن يفتتح خطبته الأولى والثّانية بالتّكبير، وليس في ذلك حدّ. وللتّفصيل (ر: خطبة). د - التّكبير في صلاة الاستسقاء: 9 - ذهب جمهور القائلين بصلاة الاستسقاء ومنهم مالك والثّوريّ والأوزاعيّ وإسحاق وأحمد في المشهور عنه، وأبو ثور وأبو يوسف ومحمّد وغيرهما من أصحاب أبي حنيفة إلى أنّه يكبّر في صلاة الاستسقاء كسائر الصّلوات تكبيرة واحدة للافتتاح، لما روي عن عبد اللّه بن زيد: «استسقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فصلّى ركعتين وقلب رداءه»، وروى أبو هريرة نحوه ولم يذكر التّكبير، فتنصرف إلى الصّلاة المطلقة. كما روى الطّبرانيّ بإسناده عن أنس بن مالك «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استسقى فخطب قبل الصّلاة، واستقبل القبلة، وحوّل رداءه، ثمّ نزل فصلّى ركعتين لم يكبّر فيهما إلا تكبيرة». وقال الشّافعيّة والحنابلة في صفة صلاة الاستسقاء: إنّه يكبّر فيها كتكبير العيد، سبعا في الأولى، وخمسا في الثّانية، وهو قول سعيد بن المسيّب وعمر بن عبد العزيز ومكحول ومحمّد بن جرير الطّبريّ، وحكي عن ابن عبّاس. واستدلّوا بما روي أنّ مروان أرسل إلى ابن عبّاس يسأله عن سنّة الاستسقاء، فقال:« سنّة الاستسقاء الصّلاة في العيدين، إلا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قلب رداءه، فجعل يمينه يساره ويساره يمينه، وصلّى ركعتين، كبّر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} وقرأ في الثّانية {هلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيةِ} وكبّر خمس تكبيرات». وتفصيل صفة صلاة الاستسقاء ينظر في استسقاء (ف /16، ج /3، ص /312). هـ - تكبيرات الجنازة: 10 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ تكبيرات الجنازة أركان لا تصحّ صلاة الجنازة إلا بها. أمّا عدد تكبيرات الجنازة، فقد قال جماهير العلماء منهم أئمّة المذاهب الأربعة ومحمّد بن الحنفيّة وعطاء بن أبي رباح ومحمّد بن سيرين والنّخعيّ وسويد بن غفلة والثّوريّ: إنّ تكبيرات الجنازة أربع. فقد صحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّ آخر صلاة صلّاها على النّجاشيّ كبّر أربعا وثبت عليها حتّى توفّي». وصحّ أنّ أبا بكر صلّى على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكبّر أربعا، وصلّى صهيب على عمر فكبّر أربعا وصلّى الحسن على عليّ فكبّر أربعا، وصلّى عثمان على خبّاب فكبّر أربعاً. وذهب قوم منهم عبد الرّحمن بن أبي ليلى وعيسى مولى حذيفة وأصحاب معاذ بن جبل وأبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة إلى أنّ التّكبير على الجنائز خمس. قال الحازميّ: وممّن رأى التّكبير على الجنائز خمسا ابن مسعود وزيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان. وقالت فرقة: يكبّر سبعاً، روي ذلك عن زرّ بن حبيش. وقال ابن عبّاس وأنس بن مالك وجابر بن زيد: يكبّر ثلاثاً. قال ابن قدامة: إنّ سنّة التّكبير على الجنازة أربع، ولا تسنّ الزّيادة عليها، ولا يجوز النّقص منها. وللتّفصيل في أحكام رفع اليدين في تكبيرات الجنازة، ومتابعة الإمام، وأحكام المسبوق بتكبير الصّلاة في الجنازة ينظر مصطلح (صلاة الجنازة).
11 - يرى جمهور الفقهاء أنّ التّكبير في أوّل الأذان أربع مرّات. وقال في شرح المشكاة: للاعتناء بشأن هذا المقام الأكبر، كرّر الدّالّ عليه أربعاً، إشعاراً بعظيم رفعته. وذهب المالكيّة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ التّكبير في أوّل الأذان مرّتان اعتباراً بكلمة الشّهادتين، حيث يؤتى بها مرّتين، ولأنّه عمل السّلف بالمدينة. أمّا التّكبير في آخر الأذان فلا خلاف بين الفقهاء في أنّه مرّتان فقط. وللتّفصيل في ألفاظ الأذان. ر: مصطلح (أذان، ف /10 ج /2 ص /359، /360).
12 - التّكبير في بدء الإقامة مرّتان عند جمهور الفقهاء، وأربع مرّات عند الحنفيّة. أمّا التّكبير في آخر الإقامة فهو مرّتان بالاتّفاق. وتنظر كيفيّة الإقامة في مصطلح: (إقامة ف /7 ج /6 ص /7، / 6).
13 - يرى جمهور الفقهاء عدم استحباب رفع الصّوت بالتّكبير والذّكر بعد الفراغ من الصّلاة وقد حمل الشّافعيّ الأحاديث الّتي تفيد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالذّكر. ومنها حديث: " ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «كنت أعرف انقضاء صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالتّكبير» حملها على أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جهر ليعلم الصّحابة صفة الذّكر لا أنّه كان دائماً، وقال الشّافعيّ: أختار للإمام والمأموم أن يذكرا اللّه بعد الفراغ من الصّلاة ويخفيان ذلك إلا أن يقصدا التّعليم فيعلّما ثمّ يسرّا. وللتّفصيل في الأدعية والأذكار في غير الصّلاة والمفاضلة بين الجهر والإسرار بها (ر: ذكر، وإسرار ف /20، ج /4، ص /175).
14 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز التّكبير جهراً في طريق المصلّى في عيد الأضحى، أمّا التّكبير في عيد الفطر فيرى جمهور الفقهاء أنّه يكبّر فيه جهراً واحتجّوا بقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ} قال ابن عبّاس: هذا ورد في عيد الفطر بدليل عطفه على قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ} والمراد بإكمال العدّة بإكمال صوم رمضان. ولما روى نافع عن عبد اللّه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عبّاس وعبد اللّه بن عبّاس وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن بن أمّ أيمن رافعا صوته بالتّهليل والتّكبير، ويأخذ طريق الحدّادين حتّى يأتي المصلّى». وذهب أبو حنيفة إلى عدم الجهر بالتّكبير في عيد الفطر لأنّ الأصل في الثّناء الإخفاء لقوله تعالى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعَاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَولِ} وقوله صلى الله عليه وسلم «خير الذّكر الخفيّ». ولأنّه أقرب من الأدب والخشوع، وأبعد من الرّياء. ولأنّ الشّرع ورد بالجهر بالتّكبير في عيد الأضحى لقوله تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ في أَيَّامٍ مَعْدُودَات} جاء في التّفسير: المراد به التّكبير في هذه الأيّام وليس كذلك يوم الفطر، لأنّه لم يرد به الشّرع، وليس في معناه أيضا، لأنّ عيد الأضحى اختصّ بركن من أركان الحجّ، والتّكبير شرع علما على وقت أفعال الحجّ، وليس في شوّال ذلك. وللتّفصيل في ابتداء التّكبير وانتهائه في العيدين وصفة التّكبير (ر: صلاة العيدين وعيد).
15 - لا خلاف بين الفقهاء في مشروعيّة التّكبير في أيّام التّشريق إلا أنّهم اختلفوا في حكمه: فعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة هو مندوب. وقال الحنفيّة بوجوبه، وقد سمّاه الكرخيّ سنّة ثمّ فسّره بالواجب، فقال: تكبير التّشريق سنّة ماضية، نقلها أهل العلم، وأجمعوا على العمل بها. وقال الكاسانيّ: إطلاق اسم السّنّة على الواجب جائز. هذا وللتّفصيل في صفة تكبير التّشريق وحكمه، وفي وقته، وفي محلّ أدائه (ر: أيّام التّشريق ف /13 - ج /7 ، ص /325، ومصطلح: عيد).
16 - يسنّ عند ابتداء كلّ طوفة من الطّواف بالكعبة استلام الحجر الأسود إن استطاع، ويكبّر ويقول: باسم اللّه، اللّه أكبر، مع رفع يده اليمنى، وإن لم يستطع استلامه يكبّر عند محاذاته ويهلّل ويشير إليه. وروى البخاريّ عن ابن عبّاس قال: «طاف النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، وكان كلّما أتى على الرّكن أشار إليه بشيء في يده وكبّر». وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء.
17 - من سنن السّعي بين الصّفا والمروة التّكبير، ويندب - بعد أن يرقى على الصّفا والمروة ويرى الكعبة - أن يكبّر ويهلّل ثلاثا، ثمّ يقول: اللّه أكبر على ما هدانا.. وهذا بلا خلاف.
18 - التّكبير أثناء الوقوف بعرفة مع رفع اليدين مبسوطتين سنّة عند الحنفيّة، ومندوب عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة. وكان ابن عمر يقول في عرفة: اللّه أكبر اللّه أكبر وللّه الحمد. اللّه أكبر اللّه أكبر وللّه الحمد، اللّه أكبر اللّه أكبر وللّه الحمد.
19 - اتّفق الفقهاء على أنّه من السّنّة أن يكبّر مع رمي كلّ حصاة بأن يقول: باسم اللّه واللّه أكبر. ويقطع التّلبية مع أوّل حصاة لما روى الفضل بن عبّاس «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبّي حتّى رمى جمرة العقبة».
20 - يستحبّ أن يقول الشّخص عند الذّبح، وعند إرسال الجارح، ورمي السّهم للصّيد " بسم اللّه واللّه أكبر " وهذا بلا خلاف. لحديث أنس الوارد في البخاريّ ومسلم ولفظه في البخاريّ أنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمّى وكبّر» وفي مسلم «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: بسم اللّه واللّه أكبر» ولما روى عديّ بن حاتم قال : « سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصّيد فقال إذا رميت سهمك فاذكر اسم اللّه عليه، فإن وجدته قد قتل فكل» وروي «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذبح يوم العيد كبشين أملحين أقرنين وقال بسم اللّه واللّه أكبر». وللتّفصيل ر: (ذبح، صيد).
21 - يستحبّ لمن رأى الهلال أن يقول ما روى ابن عمر قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: اللّه أكبر الحمد للّه لا حول ولا قوّة إلا باللّه، إنّي أسألك خير هذا الشّهر، وأعوذ بك من شرّ القدر، ومن سوء الحشر». وعن طلحة بن عبيد اللّه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: اللّهمّ أهلّه علينا باليمن والسّلامة والإسلام، ربّي وربّك اللّه».
1 - تكبيرة الإحرام هي: قول المصلّي لافتتاح الصّلاة " اللّه أكبر " أو كلّ ذكر يصير به شارعا في الصّلاة. وسمّيت التّكبيرة الّتي يدخل بها الصّلاة تكبيرة الإحرام لأنّها تحرّم الأشياء المباحة الّتي تنافي الصّلاة ويسمّيها الحنفيّة في الغالب تكبيرة الافتتاح أو التّحريمة. والتّحريم جعل الشّيء محرّما والهاء لتحقيق الاسميّة. والحكمة من افتتاح الصّلاة بالتّكبيرة هي تنبيه المصلّي على عظم مقام من قام لأداء عبادته من وصفه بأنواع الكمال وأنّ كلّ ما سواه حقير وأنّه جلّ عن أن يكون له شبيه من مخلوق فان، فيخضع قلبه وتخشع جوارحه ويخلو قلبه من الأغيار فيمتلئ بالأنوار.
2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ تكبيرة الإحرام فرض من فروض الصّلاة لقوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} والمراد تكبيرة الإحرام لأنّ قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}، وكذا قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وقوله: {فَاقْرَءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْه}، وقوله: {ارْكَعُوا، وَاسْجُدُوا} أوامر ومقتضاها الافتراض ولم تفرض خارج الصّلاة فوجب أن يراد بها الافتراض الواقع في الصّلاة إعمالا للنّصوص في حقيقتها. ولما روى عليّ رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: مفتاح الصّلاة الوضوء وتحريمها التّكبير وتحليلها التّسليم» وهو حديث حسن كما قال النّوويّ في الخلاصة. وذهب طائفة منهم سعيد بن المسيّب والحسن والحكم والزّهريّ والأوزاعيّ إلى أنّ تكبيرة الإحرام سنّة. كما روي عن مالك في المأموم ما يدلّ على أنّه سنّة، ولم يختلف قوله في المنفرد والإمام أنّه واجب على كلّ واحد منهما. 3 - هذا وقد اختلف الفقهاء في كون تكبيرة الإحرام ركناً أو شرطاً. فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ تكبيرة الإحرام جزء من الصّلاة وركن من أركانها لا تصحّ إلا بها، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن» فدلّ على أنّ التّكبير كالقراءة، ولأنّه يشترط لها ما يشترط للصّلاة من استقبال القبلة والطّهارة وستر العورة وهي أمارة الرّكنيّة، ولأنّه لا يجوز أداء صلاة بتحريمة صلاة أخرى ولولا أنّها من الأركان لجاز كسائر الشّروط. ويرى الحنفيّة والشّافعيّة في وجه أنّها شرط خارج الصّلاة وليست من نفس الصّلاة. واستدلّوا بقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} عطف الصّلاة على الذّكر، والذّكر الّذي تعقبه الصّلاة بلا فصل ليس إلا التّحريمة فيقتضي هذا النّصّ أن يكون التّكبير خارج الصّلاة لأنّ مقتضى العطف المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه إذ الشّيء لا يعطف على نفسه. وقال عليه الصلاة والسلام «تحريمها التّكبير» فأضاف التّحريم إلى الصّلاة والمضاف غير المضاف إليه لأنّ الشّيء لا يضاف إلى نفسه، ولأجل أنّ تكبيرة الإحرام شرط فهو لا يتكرّر كتكرار الأركان في كلّ صلاة كالرّكوع والسّجود فلو كان ركنا لتكرّر كما تكرّر الأركان. كما علّلوا كون تكبيرة الإحرام شرطا بأنّ الرّكن هو الدّاخل في الماهيّة والمصلّي لا يدخل في الصّلاة إلا بفراغه من تكبيرة الإحرام. وللتّوسّع فيما يترتّب على الخلاف في كون تكبيرة الإحرام شرطا أو ركنا تنظر أبواب صفة الصّلاة من الكتب الفقهيّة.
4 - لا خلاف بين الفقهاء في أفضليّة مقارنة تكبيرة الإحرام للنّيّة. وإنّما اختلفوا في جواز تقديم النّيّة على التّكبير. فذهب الحنفيّة والحنابلة والمالكيّة في أحد القولين إلى جواز تقديم النّيّة على التّكبير في الجملة وقالوا: لو نوى عند الوضوء إنّه يصلّي الظّهر مثلا ولم يشتغل بعد النّيّة بعمل يدلّ على الإعراض كأكل وشرب وكلام ونحوها ثمّ انتهى إلى محلّ الصّلاة ولم تحضره النّيّة جازت صلاته بالنّيّة السّابقة.، لأنّ الصّلاة عبادة فجاء تقديم نيّتها عليها كالصّوم وتقديم النّيّة على الفعل لا يخرجه عن كونه منويّا. وهذا ما يعبّر عنه الحنفيّة بالمقارنة الحكميّة. وقد ذكر هذا الفريق شروطا لجواز تقديم النّيّة على التّكبير تنظر في أبواب الصّلاة من كتب الفقه وفي مصطلح: (نيّة). ويرى الشّافعيّة والمالكيّة في القول الآخر وابن المنذر وجوب مقارنة النّيّة للتّكبير لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَه الدِّينَ} فقوله: {مُخْلِصِينَ} حال لهم في وقت العبادة، فإنّ الحال وصف هيئة الفاعل وقت الفعل، والإخلاص هو النّيّة، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّما الأعمال بالنّيّات» ولأنّ النّيّة شرط فلم يجز أن تخلو العبادة عنها كسائر الشّروط. واختار النّوويّ في شرح المهذّب والوسيط تبعا لإمام الحرمين والغزاليّ الاكتفاء بالمقارنة العرفيّة عند العوّام بحيث يعدّ مستحضرا للصّلاة اقتداء بالأوّلين في تسامحهم بذلك. أمّا إذا تأخّرت النّيّة عن تكبيرة الإحرام فلا تجزئ التّكبيرة وتكون الصّلاة باطلة، لأنّ الصّلاة عبادة وهي لا تتجزّأ ولو جاز تأخير النّيّة لوقع البعض الّذي لا نيّة فيه غير عبادة وما فيه نيّة عبادة فيلزم التّجزّؤ. بهذا قال الحنفيّة والمالكيّة وللتّفصيل (ر: نيّة).
5 - يجب أن يكبّر المصلّي قائماً فيما يفترض له القيام «لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين وكانت به بواسير صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب» وزاد النّسائيّ «فإن لم تستطع فمستلقيا». ويتحقّق القيام بنصب الظّهر فلا يجزئ إيقاع تكبيرة الإحرام جالساً أو منحنياً والمراد بالقيام ما يعمّ الحكميّ ليشمل القعود في نحو الفرائض لعذر. قال الطّحاويّ: ليس الشّرط عدم الانحناء أصلاً، بل عدم الانحناء المتّصف بكونه أقرب إلى الرّكوع من القيام. وللفقهاء خلاف وتفصيل في انعقاد صلاة المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً فحنى ظهره ثمّ كبّر: (ينظر في مسبوق).
6 - يجب على المصلّي النّطق بتكبيرة الإحرام بحيث يسمع نفسه، إلا أن يكون به عارض من طرش أو ما يمنعه السّماع فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به لسمعه. أمّا تكبير من كان بلسانه خبل أو خرس فينظر في مصطلح: (خرس).
7 - لا تجوز تكبيرة الإحرام بغير العربيّة لمن يحسن العربيّة، بهذا قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، وأبو يوسف ومحمّد. وأمّا من لم يحسن العربيّة فيجوز له التّكبير بلغته في الجملة عند الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومحمّد من الحنفيّة، لأنّ التّكبير ذكر للّه، وذكر اللّه يحصل بكلّ لسان. وقال المالكيّة والقاضي أبو يعلى بعدم إجزاء مرادف تكبيرة الإحرام بعربيّة ولا عجميّة فإن عجز عن النّطق بها سقطت ككلّ فرض. وأجاز أبو حنيفة ترجمة تكبيرة الإحرام لمن يحسن العربيّة ولغيره، وقال لو افتتح الصّلاة بالفارسيّة وهو يحسن العربيّة أجزأه. وفي شرح الطّحاويّ لو كبّر بالفارسيّة أو بأيّ لسان سواء كان يحسن العربيّة أو لا جاز باتّفاق الإمام وصاحبيه، وهذا يعني رجوع الصّاحبين إلى قول الإمام في جواز التّكبير بالعجميّة. وللتّفصيل (ر: ترجمة ف /9، ج /11، ص /170) وأبواب الصّلاة من كتب الفقه.
8 - لا خلاف بين الفقهاء في انعقاد الصّلاة بقول المصلّي " اللّه أكبر " ثمّ اختلفوا فيما عداه من ألفاظ التّعظيم هل يقوم مقامه؟ فذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّ الصّلاة لا تنعقد إلا بقول " اللّه أكبر " ولا يجزئ عندهم غير هذه الكلمة بشروطها الّتي ذكروها بالتّفصيل في كتبهم واستدلّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «تحريمها التّكبير». وقال للمسيء صلاته: «إذا قمت إلى الصّلاة فكبّر» وفي حديث رفاعة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتمّ صلاة لأحد من النّاس حتّى يتوضّأ فيضع الوضوء مواضعه ثمّ يقول: اللّه أكبر» «وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يفتتح الصّلاة بقوله: اللّه أكبر» ولم ينقل عنه العدول عن ذلك حتّى فارق الدّنيا. وهذا يدلّ على أنّه لا يجوز العدول عنه. ويقول الشّافعيّة بمثل ما قال به المالكيّة والحنابلة من أنّه يتعيّن على القادر كلمة التّكبير ولا يجزئ ما قرب منها، ك: الرّحمن أجلّ، والرّبّ أعظم " إلا أنّهم يقولون على المشهور بأنّ الزّيادة الّتي لا تمنع اسم التّكبير: كاللّه الأكبر " لا تضرّ، لأنّه لفظ يدلّ على التّكبير وعلى زيادة مبالغة في التّعظيم وهو الإشعار بالتّخصيص فصار كقوله اللّه أكبر من كلّ شيء. وكذا لا يضرّ عندهم (اللّه أكبر وأجلّ) وكذا كلّ صفة من صفاته تعالى إذا لم يطل بها الفصل كقوله: اللّه عزّ وجلّ أكبر، لبقاء النّظم والمعنى، بخلاف ما لو تخلّل غير صفاته تعالى أو طالت صفاته تعالى. ويرى إبراهيم النّخعيّ وأبو حنيفة ومحمّد صحّة الشّروع في الصّلاة بكلّ ذكر هو ثناء خالص للّه تعالى يراد به تعظيمه لا غير مثل أن يقول: اللّه أكبر اللّه الأكبر، اللّه الكبير، اللّه أجلّ، اللّه أعظم، أو يقول: الحمد للّه أو سبحان اللّه، أو لا إله إلا اللّه، وكذلك كلّ اسم ذكر مع الصّفة نحو أن يقول: الرّحمن أعظم، الرّحيم أجلّ، سواء كان يحسن التّكبير أو لا يحسن. واحتجّوا بقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} والمراد منه ذكر اسم الرّبّ لافتتاح الصّلاة لأنّه عقّب الصّلاة الذّكر بحرف يوجب التّعقيب بلا فصل، والذّكر الّذي تتعقّبه الصّلاة بلا فصل هو تكبيرة الافتتاح، فقد شرع الدّخول في الصّلاة بمطلق الذّكر فلا يجوز التّقييد باللّفظ المشتقّ من الكبرياء بأخبار الآحاد وبه تبيّن أنّ الحكم تعلّق بتلك الألفاظ من حيث هي مطلق الذّكر، لا من حيث هي ذكر بلفظ خاصّ. ولأنّ التّكبير هو التّعظيم فكلّ لفظ دلّ على التّعظيم وجب أن يكون الشّروع به، وفي سنن ابن أبي شيبة أنّ أبا العالية سئل بأيّ شيء كان الأنبياء يفتتحون الصّلاة؟ قال بالتّوحيد والتّسبيح والتّهليل. وقال أبو يوسف لا يصير شارعا إلا بألفاظ مشتقّة من التّكبير وهي ثلاثة: اللّه أكبر، اللّه الأكبر، اللّه الكبير، إلا إذا كان لا يحسن التّكبير أو لا يعلم أنّ الشّروع بالتّكبير، واحتجّ بقوله صلى الله عليه وسلم «وتحريمها التّكبير» والتّكبير حاصل بهذه الألفاظ الثّلاثة. وممّا يتّصل بالشّروط المتعلّقة بلفظ التّكبير: أنّ الفقهاء اتّفقوا على وجوب تقديم لفظ الجلالة على (أكبر) في التّكبير، فإن نكّسه لا يصحّ لأنّه لا يكون تكبيرا، كما أنّه لا خلاف بين الفقهاء في وجوب الاحتراز في التّكبير عن زيادة تغيّر المعنى. فمن قال: (آللّه أكبر) بمدّ همزة " اللّه " أو بهمزتين أو قال اللّه أكبار لم يصحّ تكبيره. ولم يختلفوا كذلك في أنّ زيادة المدّ على الألف الّتي بين اللّام والهاء من لفظ الجلالة لا تضرّ، لأنّ زيادة المدّ إشباع لأنّ اللّام ممدودة فغايته أنّه زاد في مدّ اللّام ولم يأت بحرف زائد. وألحق الشّافعيّة بمبطلات التّكبير زيادة واو ساكنة أو متحرّكة بين كلمتي التّكبير. ويقول المالكيّة: إنّ زيادة واو قبل همزة اللّه أكبر أو قلب الهمزة واوا لا يبطل به الإحرام، إلا أنّهم يقولون ببطلان الإحرام بالجمع بين إشباع الهاء من (اللّه) وزيادة واو مع همزة " أكبر ". أمّا مجرّد إشباع الهاء من لفظ الجلالة وإن كان خطأ لغة إلّا أنّه لا تفسد به الصّلاة، بهذا صرّح الحنفيّة، كما أنّ فقهاء المذاهب الأخرى لم يعدّوه من مبطلات الإحرام. أمّا تشديد الرّاء من (أكبر) فيبطل به الإحرام بالصّلاة عند المالكيّة وهو ما أفتى به ابن رزين من الشّافعيّة. وقال الرّمليّ وابن العماد وغيرهما: إنّه لا يضرّ لأنّ الرّاء حرف تكرير وزيادته لا تغيّر المعنى. هذا ويرى المالكيّة والشّافعيّة أنّ الوقفة الطّويلة بين (اللّه) (وأكبر) مبطلة للإحرام بالصّلاة، أمّا الوقفة اليسيرة بينهما فلا يبطل بها الإحرام. ويبقى التّنويه بأنّ الفقهاء ذكروا شروطا كثيرة لصحّة تكبيرة الإحرام. وبتتبّع عبارات هؤلاء الفقهاء يتبيّن أنّ معظم الشّروط الّتي ذكروها هي نفسها شروط للصّلاة كدخول الوقت واعتقاد دخوله والطّهر من الحدث والخبث وستر العورة والاستقبال وتعيين الفرض في ابتداء الشّروع ونيّة اتّباع الإمام مع نيّة أصل الصّلاة للمقتدي. ونظراً لأنّ هذه الشّروط تذكر بالتّفصيل في مصطلح (صلاة، ونيّة، واقتداء) فقد اكتفى هنا بذكر ما تقدّم من الشّروط، فمن أراد التّوسّع فليراجع هذه المصطلحات وأبواب صفة الصّلاة من كتب الفقه.
1 - التّكرار: الإتيان بالشّيء مرّة بعد أخرى، وهو اسم مصدر من التّكرير. مصدر كرّر ولا يخرج استعمال الفقهاء لكلمة " التّكرار " عن هذا المعنى اللّغويّ.
أ - الإعادة: 2 - من معاني الإعادة: فعل الشّيء مرّة بعد أخرى. ولتفصيل باقي معانيها يرجع إلى مصطلح " إعادة ". والفرق بين التّكرار، وبين الإعادة - بهذا المعنى -: أنّ التّكرار يقع على إعادة الشّيء مرّة ومرّات، والإعادة للمرّة الواحدة فكلّ إعادة تكرار، وليس العكس.
3 - يختلف حكم التّكرار باختلاف مواطنه: فقد يكون مباحاً، كتكرار صلاة الاستسقاء في اليوم الثّاني والثّالث عند جمهور الفقهاء. وقال إسحاق: لا يخرج النّاس إلا مرّة واحدة. وهو وجه للشّافعيّة أيضاً. وقد يكون مندوباً: كتكرار عرض اليمين على المدّعى عليه ثلاثا عند النّكول. وقد يكون سنّة: كتكرار الغسل في الوضوء والغسل عند الحنفيّة، والشّافعيّة والحنابلة. وأمّا عند المالكيّة فمستحبّ. وكذلك تكرار مسح الرّأس عند الشّافعيّة. وهو رواية عن أحمد. وأمّا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في الصّحيح من المذهب فلا يسنّ. وروي ذلك عن ابن عمر وابنه سالم، والنّخعيّ، ومجاهد، وطلحة بن مصرف، والحكم، وقال التّرمذيّ: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. وقد يكون واجباً: كتكرار سجدة التّلاوة بتكرير تلاوة سجدة واحدة في مجلس واحد عند الحنابلة، وهو أصل المذهب عند المالكيّة، فإنّهم يقولون بتكرير السّجدة إن كرّر موجبها في وقت واحد. لوجود المقتضي للسّجود إلا المعلّم والمتعلّم. وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ من كرّر الآية الواحدة في المجلس الواحد، أجزأته سجدة واحدة، وفي الموضوع تفصيل - يرجع فيه إلى (سجدة التّلاوة). وقد يكون مكروها: كتكرار المسح على الخفّ عند الشّافعيّة، أو غير جائز كتكراره عند الحنفيّة والمالكيّة. وعند الحنابلة لا يجب تكراره، بل لا يسنّ. وقد اتّفق الفقهاء على عدم جواز التّكرار أو عدم وجوبه في مسائل، واختلفوا في أخرى.
4 - عدم جواز تكرار سجود السّهو، وعدم تكرار الحجّ وجوباً، لأنّ سببه البيت، وأنّه لا يتعدّد، فلا يتكرّر الوجوب. وعدم جواز تكرار الحدّ، فإنّ من كرّر جرائم السّرقة، أو الزّنى، أو الشّرب، أو القذف، قبل إقامة الحدّ، أقيم عليه حدّ واحد، وحكي عن ابن القاسم أنّه يحدّ حدّا ثانياً.
5 - تكرار السّرقة بعد قطع يده ورجله، ففيه خلاف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح " سرقة " وإلى موطنه من كتب الفقه. وتكرار صلاة الكسوف وقبول توبة من تكرّرت ردّته - والعياذ باللّه - ولتفصيل ذلك يرجع إلى مصطلحي (صلاة الكسوف، وتوبة) ومواطنها من كتب الفقه. ومنها تكرير الإقرار في وجوب الحدّ: فذهب المالكيّة، والشّافعيّة، والحنفيّة - ما عدا زفر - إلى أنّه لا يشترط تكرير الإقرار في وجوب الحدّ، ويرى الحنابلة وزفر من الحنفيّة وابن شبرمة، وابن أبي ليلى تكرير الاعتراف مرّتين، وهو ما روي عن عليّ رضي الله عنه أيضا. وفي تكرار الطّلاق لمدخول بها وغير مدخول بها، وتكرار الطّلاق مع العطف وعدمه، وتكرار يمين الإيلاء في مجلس واحد، وتكرار الظّهار وأثره في تحريم الزّوجة، وتعدّد الكفّارة، خلاف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح (اتّحاد المجلس) الموسوعة 2 /23، 24 ومواطنها من كتب الفقه). وأمّا مسألة اقتضاء الأمر الخالي عن القرائن - التّكرار أم لا؟ فموطن تفصيلها الملحق الأصوليّ.
1 - من معاني التّكفير في اللّغة: التّغطية والسّتر وهو أصل الباب. تقول العرب للزّرّاع: كافر، ومنه قوله تعالى {كَمَثَلِ غَيثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُه}. وأيضاً يقال: التّكفير في المحارب: إذا تكفّر في سلاحه، والتّكفير أيضاً: هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الرّكوع، كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه، ومنه حديث أبي معشر«أنّه كان يكره التّكفير في الصّلاة» أي الانحناء الكثير في حال القيام. والكفر في الشّرع: نقيض الإيمان، وهو الجحود، ومنه قوله تعالى {إنَّا بِكُلٍّ كَافِرُون} أي جاحدون. وهو بهذا لا يخرج عن معناه اللّغويّ، لأنّ الكافر ذو كفر، أي ذو تغطية لقلبه بكفره، قال صاحب الدّرّ المختار: الكفر شرعاً: تكذيبه صلى الله عليه وسلم في شيء ممّا جاء به من الدّين ضرورة. والتّكفير: هو نسبة أحد من أهل القبلة إلى الكفر. وتكفير الذّنوب محوها بفعل الحسنات ونحوه، لقوله تعالى: {إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} وسيأتي تفصيله. والتّكفير عن اليمين: هو فعل ما يجب بالحنث فيها.
أ - التّشريك: 2 - التّشريك: مصدر شرّك، يقال: شرّكت بينهما في المال تشريكا، وشرّك النّعل: جعل لها شراكا. وشرعاً: أن تجعل للّه شريكاً في ملكه أو ربوبيّته. قال تعالى حكاية عن عبده لقمان أنّه قال لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. والكفر أعمّ من الشّرك فهو أحد أفراده. والتّشريك أيضاً: بيع بعض ما اشترى بما اشتراه به، فهو التّولية بجزء السّلعة، والمقصود من البحث هو المعنى الأوّل. ب - التّفسيق: 3 - التّفسيق: تفعيل من الفسق، وهو في اللّغة: الخروج عن الأمر، ويقال: أصله خروج الشّيء من الشّيء على وجه الفساد، يقال: فسقت الرّطبة: إذا خرجت من قشرها، وكأنّ الفأرة إنّما سمّيت فويسقة لخروجها من جحرها على النّاس. وهو شرعاً: العصيان والتّرك لأمر اللّه عزّ وجلّ والخروج عن طريق الحقّ، ومنه قوله تعالى حكاية عن إبليس {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} أي خرج عن طاعة ربّه. وقد يكون الفسق شركاً، أو كفراً، أو إثماً.
4 - الأصل بقاء المسلم على إسلامه حتّى يقوم الدّليل على خلاف ذلك، لما ثبت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا». ويجب قبل تكفير أيّ مسلم النّظر والتّفحّص فيما صدر منه من قول أو فعل، فليس كلّ قول أو فعل فاسد يعتبر مكفّرا. ويجب كذلك على النّاس اجتناب هذا الأمر والفرار منه وتركه لعلمائهم لخطره العظيم، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرّجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه». وعن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «من دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدوّ اللّه، وليس كذلك إلا حار عليه».
التّحرّز من التّكفير 5 - لا ينبغي أن يكفّر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن، أو كان في كفره خلاف ولو كان رواية ضعيفة. ما يشكّ في أنّه كفر لا يحكم به، فإنّ المسلم لا يخرجه من الإيمان إلّا جحود ما أدخله فيه، إذ الإسلام الثّابت لا يزول بالشّكّ مع أنّ الإسلام يعلو، فإن كان في المسألة وجوه توجب التّكفير ووجه واحد يمنعه فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الّذي يمنع التّكفير، لعظم خطره وتحسينا للظّنّ بالمسلم، ولأنّ الكفر نهاية في العقوبة فيستدعي نهاية في الجناية، ومع الشّكّ والاحتمال لا نهاية. متى يحكم بالكفر: 6 - يشترط في تكفير المسلم أن يكون مكلّفاً مختاراً عند صدور ما هو مكفّر منه، فلا يصحّ تكفير صبيّ ومجنون، ولا من زال عقله بنوم أو إغماء، لعدم تكليفهم، فلا اعتداد بقولهم واعتقادهم. وكذلك لا يجوز تكفير مكره على الكفر وقلبه مطمئنّ بالإيمان، قال تعالى: {إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُه مُطْمَئنٌّ بِالإيمَانِ}. وجرى الخلاف بين الفقهاء في صحّة تكفير الصّبيّ المميّز والسّكران إذا صدر منهما ما هو مكفّر. فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى صحّة تكفير الصّبيّ المميّز إذا صدر منه ما هو مكفّر. ويفهم من كلام المالكيّة تقييده بالصّبيّ المميّز المراهق فقط. وذهب الشّافعيّة إلى عدم صحّة تكفير الصّبيّ المميّز لعدم تكليفه مع اتّفاقهم على أنّه لا يقتل بل يجبر على الإسلام بالضّرب والتّهديد والحبس. وعند الحنابلة ينتظر إلى ما بعد البلوغ والاستتابة، فإن أصرّ قتل، لحديث «رفع القلم عن ثلاثة: عن النّائم حتّى يستيقظ، وعن المبتلى حتّى يبرأ، وعن الصّبيّ حتّى يكبر». تكفير السّكران: 7 - اتّفق الفقهاء على أنّ السّكران غير المتعدّي بسكره لا يحكم بردّته إذا صدر منه ما هو مكفّر، واختلفوا في السّكران المتعدّي بسكره: فذهب جمهور الفقهاء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " إلى تكفيره إذا صدر منه ما هو مكفّر. لقول عليّ رضي الله عنه " إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون فأوجبوا عليه حدّ الفرية الّتي يأتي بها في سكره واعتبروا مظنّتها، ولأنّه يصحّ طلاقه وسائر تصرّفاته فتصحّ ردّته، وذهب الحنفيّة إلى عدم تكفير السّكران مطلقاً. بم يكون التّكفير: أ - التّكفير بالاعتقاد: 8 - اتّفق الفقهاء على تكفير من اعتقد الكفر باطناً، إلا أنّه لا تجري عليه أحكام المرتدّ إلا إذا صرّح به. ومن عزم على الكفر في المستقبل، أو تردّد فيه، فإنّه يكفر حالاً لانتفاء التّصديق بعزمه على الكفر في المستقبل، وتطرّق الشّكّ إليه بالتّردّد في الكفر. ولا تجري عليه أحكام المرتدّ إلا إذا صرّح بالكفر أيضاً. ب - التّكفير بالقول: 9 - اتّفق العلماء على تكفير من صدر منه قول مكفّر، سواء أقاله استهزاء، أم عنادا، أم اعتقادا لقوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كنُتْمُْ تَسْتَهْزِئونَ لا تَعْتَذِرُوا قد كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ}. وهذه الألفاظ المكفّرة قد تكون صريحة كقوله: أشرك أو أكفر باللّه، أو غير صريحة كقوله: اللّه جسم متحيّز أو عيسى ابن اللّه، أو جحد حكما علم من الدّين بالضّرورة، كوجوب الصّلاة وحرمة الزّنى. وأمّا من سبق لسانه إلى الكفر من غير قصد لشدّة فرح أو دهش أو غير ذلك، كقول من أراد أن يقول: اللّهمّ أنت ربّي وأنا عبدك، فقال غلطا: أنت عبدي وأنا ربّك، كما جاء في حديث أنس بن مالك قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للّه أشدّ فرحا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلّها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثمّ قال من شدّة الفرح: اللّهمّ أنت عبدي وأنا ربّك، أخطأ من شدّة الفرح». أو أكره عليه فإنّه لا يكفر. لقوله تعالى: {إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنٌّ بِالإيمَانِ} ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه». تكفير من سبّ اللّه عزّ وجلّ: 10 - اتّفق العلماء على تكفير من سبّ الذّات المقدّسة العليّة أو استخفّ بها أو استهزأ، لقوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِه كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئونَ لا تَعْتَذِرُوا قدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ} واختلفوا في قبول توبته فذهب جمهور الفقهاء إلى قبولها. وذهب الحنابلة إلى عدم قبولها، ويقتل بكلّ حال، وذلك لأنّ ذنبه عظيم جدّاً يدلّ على فساد عقيدته. وأمّا بالنّسبة للآخرة، فإن كان صادقا في توبته قبلت باطنا ونفعه ذلك. تكفير من سبّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: 11 - ذهب الفقهاء إلى تكفير من سبّ نبيّاً من الأنبياء، أو استخفّ بحقّه، أو تنقّصه، أو نسب إليه ما لا يجوز عليه، كعدم الصّدق والتّبليغ، والسّابّ عند الحنفيّة والشّافعيّة يأخذ حكم المرتدّ فيستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وعند المالكيّة والحنابلة يقتل حدّا. وإن تاب. ولا تقبل توبته. وسبّ الملائكة كسبّ الأنبياء، وقيّده المالكيّة بالنّبيّ أو الملك المجمع على كونه نبيّا أو ملكا، فإن سبّ من لم يجمع على كونه نبيّا أو ملكا كالخضر وهاروت وماروت لم يكفر، وأدّبه الحاكم اجتهاداً. تكفير مكفّر الصّحابة: 12 - اتّفق الفقهاء على أنّ من كفّر جميع الصّحابة فإنّه يكفر، لأنّه أنكر معلوماً من الدّين بالضّرورة وكذّب اللّه ورسوله. واتّفقوا على أنّ من قذف السّيّدة عائشة رضي الله عنها بما برّأها اللّه منه، أو أنكر صحبة الصّدّيق كفر، لأنّه مكذّب لنصّ الكتاب. وأمّا من كفّر بعض الصّحابة دون بعض، فذهب الحنفيّة والمالكيّة في المعتمد عندهم والإمام أحمد في إحدى الرّوايتين إلى عدم كفره. وذهب الشّافعيّة والحنابلة في الرّواية المشهورة وبعض أهل الحديث وسحنون من المالكيّة إلى تكفير من كفّر بعض الصّحابة وتطبّق عليه أحكام المرتدّ. قال المرداويّ في الإنصاف - وهو الصّواب - والّذي ندين اللّه به، ونصّ صاحب الفواكه الدّواني على أنّ من كفّر أحد الخلفاء الأربعة فإنّه يكفر. تكفير من سبّ الشّيخين: 13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم تكفير من سبّ أحد الشّيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وتوقّف الإمام أحمد في كفره وقتله، وقال: يعاقب ويجلد ويحبس حتّى يموت أو يرجع عن ذلك، وعنه: من سبّ صحابيّا مستحلا كفر، وإلا فسّق. ونقل ابنه عبد اللّه عنه فيمن شتم صحابيّا قوله: القتل أجبن عنه، ويضرب، ما أراه على الإسلام. وعند الشّافعيّة وجه حكاه القاضي في تكفير من سبّ الشّيخين رضي الله عنهما، وممّن قال بتكفيره كذلك الدّبوسيّ، وأبو اللّيث، وجزم به صاحب الأشباه. قال صاحب الدّرّ المختار: وهو الّذي ينبغي التّعويل عليه في الإفتاء والقضاء، رعاية لجانب حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا خلاف المعتمد عند الحنفيّة، كما صرّح بذلك ابن عابدين. تكفير منكر الإجماع: 14 - ذهب الفقهاء إلى تكفير من جحد حكما أجمعت عليه الأمّة ممّا علم من الدّين ضرورة، كوجوب الصّلوات الخمس والزّكاة بلا خلاف بينهم. وأمّا ما أجمعت عليه الأمّة ولم يكن معلوماً بالضّرورة، كوجوب إعطاء السّدس لبنت الابن مع وجود البنت فلا تكفير لمنكره. وأمّا الحنفيّة فلم يشرطوا للتّكفير سوى قطعيّة الثّبوت، وعلى هذا قالوا بتكفير من جحد استحقاق بنت الابن السّدس مع البنت في ظاهر كلامهم. ج - التّكفير بالعمل: 15 - نصّ الفقهاء على أفعال لو فعلها المكلّف فإنّه يكفر بها، وهي كلّ ما تعمّده استهزاء صريحا بالدّين أو جحودا له، كالسّجود لصنم أو شمس أو قمر، فإنّ هذه الأفعال تدلّ على عدم التّصديق، وكإلقاء المصحف في قاذورة، فإنّه يكفر وإن كان مصدّقاً، لأنّ ذلك في حكم التّكذيب، ولأنّه صريح في الاستخفاف بكلام اللّه تعالى، والاستخفاف بالكلام استخفاف بالمتكلّم. وقد ألحق المالكيّة والشّافعيّة إلقاء كتب الحديث به. وذهب المالكيّة إلى تكفير من تزيّا بزيّ الكفر من لبس غيار، وشدّ زنّار، وتعليق صليب. وقيّده المالكيّة والحنابلة بما إذا فعله حبّا فيه وميلا لأهله، وأمّا إن لبسه لعباً فحرام وليس بكفر. تكفير مرتكب الكبيرة: 16 - مذهب أهل السّنّة والجماعة عدم تكفير مرتكب الكبيرة، وعدم تخليده في النّار إذا مات على التّوحيد، وإن لم يتب، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم «يخرج من النّار من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان». فلو كان مرتكب الكبيرة يكفر بكبيرته لما سمّاه اللّه ورسوله مؤمناً. تكفير السّاحر: 17 - اتّفق الفقهاء على تكفير من اعتقد إباحة السّحر. واختلفوا في تكفير من تعلّمه أو عمله، فذهب الجمهور - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه لا يكفر بمجرّد تعلّم السّحر وعمله ما لم يكن فيه اعتقاد أو عمل ما هو مكفّر، وذهب المالكيّة إلى تكفيره مطلقا، لما فيه من التّعظيم لغير اللّه، ونسبة الكائنات والمقادير إلى غير اللّه. وذهب الحنفيّة إلى وجوب قتله، ولا يستتاب لعمل السّحر، لسعيه بالفساد في الأرض، لا بمجرّد علمه إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره، ولقوله صلى الله عليه وسلم «حدّ السّاحر ضربة بالسّيف» فسمّاه حدّاً، والحدّ بعد ثبوته لا يسقط بالتّوبة. وقصره الحنابلة على السّاحر الّذي يكفر بسحره. وعند المالكيّة يقتل إن كان متجاهرا به ما لم يتب، فإن كان يسرّه قتل مطلقا، ولا تقبل له توبة. آثار التّكفير: 18 - يترتّب على التّكفير آثار على كلّ من المكفّر والمكفّر فآثاره على المكفّر إذا ثبت عليه الكفر هي: أ - حبوط العمل: 19 - إذا ارتدّ المسلم واستمرّ كافرا حتّى موته كانت ردّته محبطة للعمل لقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِه فَيَمُتْ وهو كَافِرٌ فَأولئكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهمْ}. فإن عاد إلى الإسلام فمذهب الحنفيّة والمالكيّة أنّه يجب عليه إعادة الحجّ وما بقي سببه من العبادات لأنّه بالرّدّة صار كالكافر الأصليّ فإذا أسلم وهو غنيّ فعليه الحجّ. ولأنّ وقته متّسع إلى آخر العمر فيجب عليه بخطاب مبتدأ كما يجب عليه الصّلاة والصّيام والزّكاة للأوقات المستقبلة، ولأنّ سببه البيت المكرّم وهو باق بخلاف غيره من العبادات الّتي أدّاها، لخروج سببها. وما بقي سببه من العبادات كمن صلّى الظّهر مثلا ثمّ ارتدّ ثمّ تاب في الوقت يعيد الظّهر لبقاء السّبب وهو الوقت. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجب عليه أن يعيد عباداته الّتي فعلها في إسلامه من صلاة وحجّ وغيرها، وذلك لأنّه فعلها على وجهها وبرئت ذمّته منها فلا تعود إلى ذمّته، كدين الآدميّ. والمنصوص عن الشّافعيّ رحمه الله تعالى حبوط ثواب الأعمال لا نفس الأعمال. ب - القتل: 20 - أجمع الفقهاء على أنّ من تحوّل عن دين الإسلام إلى غيره فإنّه يقتل لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم «من بدّل دينه فاقتلوه». وتفصيل ذلك في مصطلح: (ردّة).. آثار التّكفير على المكفّر: 21 - لمّا كان التّكفير من الأمور الخطيرة فقد جعل الفقهاء فيه التّعزير، فمن نسب أحداً إلى الكفر، أو قذفه بوصف يتضمّن معنى الكفر، كيا يهوديّ، ويا نصرانيّ، ويا مجوسيّ عزّر، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الرّجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما فإن كان كما قال وإلّا رجعت عليه». أ - الذّنوب الّتي شرعت لها كفّارات محدّدة: 22 - أوجب الشّارع على الإنسان كفّارات محدّدة لبعض الذّنوب بملابسته إيّاها وذلك لعظم هذه الذّنوب وخطرها، والقصد من هذه الكفّارات تدارك ما فرّط من التّقصير وهي دائرة بين العبادة والعقوبة. وهي خمس كفّارات: كفّارة القتل، والوطء في نهار رمضان، والظّهار، والحنث في الأيمان، وفعل محظور من محظورات الحجّ. وللتّفصيل انظر مصطلح: (كفّارة). ب - الذّنوب الّتي لم تشرع لها كفّارات محدّدة: 23 - لم يشرع الإسلام كفّارات محدّدة غير الخمس المذكورة آنفا وإنّما نصّ على بعض الأعمال والعبادات الّتي تكفّر الذّنوب عموما كاجتناب الكبائر، فإنّه يكفّر الصّغائر، قال تعالى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنْه نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ}. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يؤدّي الصّلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويجتنب الكبائر السّبع إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنّة يوم القيامة حتّى إنّها لتصفق» ولا ينحصر تكفير الصّغائر في اجتناب الكبائر بل هناك بعض العبادات تكفّرها أيضا كالوضوء والصّلوات الخمس وصوم رمضان والعمرة إلى العمرة والحجّ المبرور. وفي الحديث أيضا «من توضّأ نحو وضوئي هذا ثمّ قام فركع ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه إلا غفر له ما تقدّم من ذنبه». وذكر الصّلاة في هذا الحديث للتّرغيب في سنّة الوضوء ليزيد ثوابه، وإلّا فالتّكفير لا يتوقّف على الصّلاة كما أخرج أحمد مرفوعاً «الوضوء يكفّر ما قبله ثمّ تصير الصّلاة نافلة». وقال صلى الله عليه وسلم: «الصّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفّرات ما بينهنّ إذا اجتنب الكبائر» وقال صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما والحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنّة». ولا يردّ عليه أنّه إذا كفّر الوضوء لم يجد الصّوم ما يكفّره، وهكذا، وذلك لأنّ الذّنوب كالأمراض، والطّاعات كالأدوية، فكما أنّ لكلّ نوع من أنواع الأمراض نوعا من أنواع الأدوية لا ينفع فيه غيره، كذلك الطّاعات مع الذّنوب، ويدلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من الذّنوب ذنوباً لا يكفّرها الصّلاة ولا الصّيام ولا الحجّ ولا العمرة، قالوا فما يكفّرها يا رسول اللّه، قال: الهموم في طلب المعيشة». وهذا كلّه في الذّنوب المتعلّقة بحقوق اللّه تعالى، وأمّا المتعلّقة بحقوق الآدميّين فلا بدّ فيها من المقاصّة.
|